التوسع العالمي في الطاقة المتجددة والتحديات المستقبلية

التوسع العالمي في الطاقة المتجددة والتحديات المستقبلية

قامت مؤسسة “كاتس إنترناشونال” (CUTS International)، وهي إحدى المؤسسات الفكرية الرائدة في مجال دعم السياسات الاقتصادية العادلة، مؤخرًا، بنشر دراسة مهمة صادرة عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) تتناول النمو المتسارع في إنتاج الطاقة المتجددة على الصعيد العالمي. وقد بلغ إجمالي القدرة العالمية للطاقة المتجددة 4,448 غيغاواط في العام 2024. ويُعزى هذا التوسع بشكل رئيسي إلى النمو الملحوظ في أنظمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

وعلى الرغم من هذا التطور الإيجابي في مجال الطاقة المتجددة، لا تزال المخاوف قائمة لدى الخبراء بشأن عدم القدرة على تحقيق الأهداف المناخية العالمية، نتيجة التقدم البطيء في هذا المسار. فمن أجل الوفاء بالأهداف المقررة، يتعين أن تصل القدرة العالمية للطاقة المتجددة إلى 11 تيراواط بحلول العام 2030. إلا أن المعدلات الحالية للنمو تشير إلى بلوغ 10.4 تيراواط فقط؛ ما يُسفر عن فجوة قدرها 0.8 تيراواط.

وتتباين مستويات النجاح التي تحققها الدول في تنفيذ حلول الطاقة المتجددة. وخلال العام 2024، تصدرت قارة آسيا التوسع العالمي في قدرات الطاقة المتجددة، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى مساهمة الصين التي أضافت 373.6 غيغاواط. وفي أوروبا، ارتفعت القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة بمقدار 70.1 غيغاواط، وكانت ألمانيا من أبرز الدول المساهمة في هذا النمو. أما في أمريكا الشمالية، فقد قادت الولايات المتحدة التوسع الإقليمي بإضافة 45.9 غيغاواط، من خلال تطوير البنية التحتية لمصادر الطاقة المتجددة. كما شهدت أمريكا الجنوبية زيادة ملحوظة، حيث أضافت 22.4 غيغاواط إلى قدرتها الإنتاجية في هذا القطاع.

رغم أن هذه الأرقام تعكس مؤشرات إيجابية، إلا أن بعض المناطق لا تزال متخلفة في وتيرة التحول نحو الطاقة المتجددة. فقد بلغت الإضافات في القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة في كل من إفريقيا والشرق الأوسط ما لا يتجاوز 7 غيغاواط، مقارنة بمعدلات النمو المرتفعة التي شهدتها مناطق أخرى من العالم. أما الدول الصغيرة النامية (SIDS)، فقد أضافت 0.7 غيغاواط فقط، ويُعزى ذلك إلى التحديات الاستثمارية التي تواجهها تلك الاقتصادات الصغيرة في تمويل مشاريع الطاقة النظيفة. وتُعد الفجوة القائمة بين الدول المتقدمة والدول النامية من أبرز العوائق التي تحول دون تحقيق التقدم المنشود في تقليل انبعاثات الكربون على مستوى عالمي وبوتيرة متوازنة.

لذلك يتوجّب على الحكومات تقديم الدعم المالي الكافي لتسريع تنفيذ مشاريع الطاقة النظيفة في مختلف أنحاء العالم. فبالرغم من التراجع المستمر في تكاليف تقنيات الطاقة المتجددة، تواجه العديد من الدول النامية تحديات مالية جسيمة تعوق قدرتها على اعتماد هذه التقنيات. ومن هذا المنطلق، يصبح تعزيز التعاون الدولي أمرًا بالغ الأهمية، سواء من خلال توفير التمويل، أو نقل التكنولوجيا، أو تطوير الأطر والسياسات، بما يضمن تحقيق وصول منصف وشامل إلى مصادر الطاقة المستدامة.

لم تعد التحديات الأساسية مقتصرة على إنتاج الطاقة المتجددة، بل باتت تشمل موثوقية وكفاءة أنظمة التخزين والتوزيع أيضا. ويقتضي ذلك تطوير واعتماد تقنيات متقدمة تشمل أنظمة البطاريات الحديثة، والشبكات الذكية، وشبكات الكهرباء المترابطة، بما يتيح للدول الاستفادة القصوى من مصادر الطاقة النظيفة. إن تحقيق هذا الهدف يتطلب توفير دعم مالي وتقني متزايد للدول النامية؛ لتمكينها من مواكبة وتيرة التقدم في الدول المتقدمة، وضمان استفادة شاملة وعادلة من الطاقة النظيفة في جميع أنحاء العالم.

بصفتي رئيسًا لتحالف التحضر المستدام، أُؤكد على أهمية تعزيز إنتاج الطاقة المتجددة، مع التنبيه إلى أن تحقيق الأهداف المناخية العالمية سيظل أمرًا صعب المنال ما لم تُعجّل الدول بعمليات التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة. ويُعد تعزيز التعاون الدولي، وتطوير تقنيات فعّالة لتخزين الطاقة، إلى جانب اعتماد سياسات عادلة وشاملة، عناصر أساسية لسد الفجوة الحالية. إن تضافر الجهود بين جميع الدول هو السبيل لضمان مستقبل مستدام يقوم على الطاقة النظيفة والعدالة المناخية.