الأمم المتحدة

الأمم المتحدة

عبر تاريخها العريق الممتد إلى أكثر من ثمانين عاما يمكن للأمم المتحدة أن تفخر بالعديد من الإنجازات التى حققتها كأهداف نبيلة، لكن يجب أن تنظر المنظمة الدولية إلى داخلها وتعيد تقييم ذاتها، حتى تتمكن من مواجهة اللحظة الحاسمة التى نعيشها، لحظة تتطلب منها أكثر من أى وقت مضى، منع الحروب وإيجاد الحياد والعدالة، تلك كانت جوهر كلمات الكتاب الجديد بعنوان من الأمم المتحدة إلى الشعوب المتحدة الذى صدر حديثا للدكتور طلال أبو غزاله المفكر العربى فى مناسبة مرور 80 عاما على تأسيس المنظمة الدولية ويطرح المؤلف فى الكتاب المراحل التى مرت بها المنظمة من التأسيس وحتى بلوغها العام الثمانين .

الأمم المتحدة تجد نفسها، بعد مرور 80 عاما على تأسيسها،عند نقطة انعطاف حاسمة، ففى الثانى من مايو 2025، نشرت وكالة رويترز تقريرا حول مذكرة تقييم ذاتى من ست صفحات أعدتها فرقة عمل تم تعيينها فى مارس من قبل الأمين العام أنطونيو جوتيريش، تتضمن اقتراحا بإعادة هيكلة شاملة للأمم المتحدة ودمج عشرات الوكالات ضمن أربع إدارات رئيسية: السلام والأمن، الشئون الإنسانية، التنمية المستدامة، وحقوق الإنسان، ويرى المؤلف أن جوتيريش من المدافعين عن إصلاح الأمم المتحدة، حيث صرح فى عام 2017 بأن المنظمة تعانى «هياكل مجزأة»، وإجراءات معقدة على النمط البيزنطى، وبيروقراطية لا تنتهى بالإضافة إلى ذلك، ومنذ أن تولى الرئيس الأمريكى ترامب منصبه فى يناير، قام بتخفيض تمويل الولايات المتحدة للمنظمة بمليارات الدولارات.

والقراءة الدقيقة للمذكرة المهمة وعالية المستوى أنها تركز على خفض التكاليف، ولكن ما تواجهه المنظمة يتجاوز مجرد الضائقة المالية: إن شرعية الأمم المتحدة باتت موضع تساؤل متكرر وعلنى، ليس فقط من قبل السياسيين المتحمسين، بل أيضا من قبل الرأى العام العالمى وتظهر الدراسات أن هذه المنظمة العالمية تواجه انتقادات متزايدة لفشلها فى منع الحروب والإبادة الجماعية وعدم اهتمامها.

ويرصد الكتاب نظرة شباب العالم حول الأمم المتحدة ويرى الشباب أن الأمم المتحدة منصة للخطابة، لا للعمل. وقد تكررت هذه الفكرة مرة أخرى على لسان قادة شباب الكومنولث عام 2023 فى مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ 28 COP فى دبى، حيث أكدوا أنهم يريدون أفعالا، لا مجرد كلمات، وفى استطلاع الأمم المتحدة العالمى 2020 فإن 97% من الشباب يرون أن التعاون العالمى أمر مهم، لكن فقط 43% شعروا بأن الأمم المتحدة مؤهلة لمواجهة تحديات المستقبل.

وباختصار، يعتقد شباب العالم أن الأمم المتحدة منتدى مليء بالكلام، وليس الأفعال. وفى الدول الأفريقية، وافق 68% من الشباب على أن الأمم المتحدة تعمل للمصالح الغربية على حساب احتياجات أفريقيا. وبينما تواجه الأمم المتحدة أزمة شرعية، فإنها تبدو أكثر وضوحا بين الفئة العمرية تحت الثلاثين عاما، وقد أظهرت دراسة لمحتوى فيديوهات تيك توك المتعلقة بالأمم المتحدة أن أحد أبرز الانتقادات من الشباب هو اعتياد المنظمة إصدار وثائق طويلة ومليئة بالكلمات، مع تجاهل مخاطبتهم عبر صيغ رقمية مبسطة يفضلونها. من الواضح أن الأمم المتحدة تحتاج ليس فقط إلى تكنولوجيا جديدة، بل إلى أسلوب جديد ووجوه شابة، فى الوقت الحالى، يمكننا القول إن شباب العالم يرون فى الأمم المتحدة رمزا لإمكانات غير محققة.

ويكشف الكتاب مع بداية القرن الحادى والعشرين، دخل العالم مرحلة جديدة وأكثر خطورة فى تاريخه، حيث تتقاطع قوى عديدة مترابطة تهدد مستقبلنا المشترك. وفى الوقت نفسه، تشهد عدة مجالات تقدما هائلا، فى لحظة تاريخية حاسمة، تقف فيها البشرية عند مفترق طريقين: أحدهما يؤدى إلى مخاطر وجودية، والآخر إلى إمكانات بلا حدود لها لتحقيق التقدم المستدام والازدهار والسلم. ويقول لقد حان وقت اتخاذ القرار الصحيح: تعزيز التعاون الدولى السلمى من أجل حماية البشرية.

العالم يشهد تغيرات هائلة ففى العقدين الأولين من القرن الحادى والعشرين تسببت الأزمة المالية الكبرى عام 2008 وجائحة كوفيد 2019 - 2021 فى صدامات عنيفة للاقتصاد العالمى، وللأنظمة السياسية الوطنية، وعلى الرغم من حدوث تعاف جزئى من هذه الأزمات الكبرى، فإن العالم لا يزال يمر بفترة من عدم اليقين والإضراب، لقد أصبح المناخ الدولى أقل تهيئة لتحقيق التعاون السلمى لمواجهة تحديات القرن الكبرى، وتحقيق الأهداف المشتركة.