أبوغزاله: رؤية استراتيجية لعالم ما بعد الحرب العالمية الثالثة

أبوغزاله: رؤية استراتيجية لعالم ما بعد الحرب العالمية الثالثة

في وقت تتقاطع فيه خرائط الكرة الأرضية من خلال النار والمواقف، وتتغير فيها حدود الحروب بين ما هو عسكري وما هو اقتصادي، خرج المفكر العربي الدكتور طلال أبوغزاله، عبر شاشة OTV اللبنانية، ليضعنا أمام قراءة غير تقليدية وجريئه، لِما يراه “أحداثًا لا متفرقة”، بل فصولًا متلاحقة من حرب عالمية ثالثة، بدأت نيرانها تشتعل منذ سنوات وتتوسع يومًا بعد يوم، وما زالت تتمدد من قارة إلى أخرى، حتى وصلت إلى الجمهورية الإيرانية ، وقد لا تتوقف إلا في بحر الصين الجنوبي، قبالة تايوان، عام 2027 بعد أن تعيد ترتيب النظام العالمي.

منذ أن بدأت هذه الحرب في أوكرانيا، وهي تتوسع بين الجبهات، حتى وصلت إلى منطقتنا العربية، ومنها بدأت بطرق أبواب إيران، الدولة التي يرى أبوغزاله أنها لن تُهزم فالتاريخ لن يٌهزم، بل ستخرج من هذه المواجهة قوية كما لم تكن من قبل. وبينما قد يرى البعض في هذا الطرح مغالاة أو تحديًا للمألوف، فإن أبوغزاله يقدمه مدعومًا بالتحليل العميق، والرؤية الاستراتيجية، والتاريخ الذي لا يكذب.

ففي قلب هذه الرؤية الشاملة، يضع أبوغزاله الحرب مع إيران في موقعها الحقيقي ضمن الصراع الكوني، ولا يتردد في التأكيد أن الكيان الصهيوني لن ينتصر، ليس لأن الأمنيات كذلك، بل لأن المعطيات تقول ذلك بوضوح، فإيران، ذات الامتداد الحضاري العميق، ليست دولة طارئة، بل كيان تاريخي عرف كيف يبني قوته الذاتية بعيدًا عن التبعية، حتى أن روسيا، في حربها مع أوروبا، لجأت إلى السلاح الإيراني، بينما لا يزال الكيان الصهيوني يعتمد على المساعدات الغربية للبقاء والتي لو تأخرت أو انقطعت لما استطاع استكمال حرب ابادته على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وبعين القارئ الباحث والمحلل، يستعرض أبوغزاله النموذج الإيراني في التخطيط العسكري والعلمي، مشيرًا إلى أن منشآتها النووية أقيمت على أعماق هائلة تحت الأرض، محصنة بطبقات من الصخور والخرسانة، بشكل يجعل من استهدافها مهمة أشبه بالمستحيلة، وخطرا على المنطقة والعالم، وحتى ما يُروّج عن نجاحات في اغتيال بعض العلماء أو اختراقات أمنية، يراه أبوغزاله مبالغًا فيه، فعدد العلماء الذين اغتيلوا لا يكاد يُقارن بالآلاف الذين يقودون مشاريع البحث والتطوير في البلاد، كما أن وجود العملاء هو واقع تعيشه كل دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة و”إسرائيل” ذاتها.
لكن المفارقة الكبرى، كما يشير المفكر العربي، تكمن في أن إيران، برغم العقوبات والحصار، استطاعت البقاء  دولة متماسكة شعبًا ونظامًا، فيما يواجه الكيان الصهيوني تفككًا داخليًا، ومجتمعًا منقسمًا، على حافة انفجار داخلي قد يتحول إلى حرب أهلية وهذه المفارقة ليست تفصيلاً عابرًا، بل هي المؤشر الأخطر على توازن القوة الحقيقي.

وفي الوقت الذي يلوّح فيه الكيان الصهيوني بنيّات استهداف القدرات النووية الإيرانية بمختلف انواع القنابل، يحذر أبوغزاله من أن مثل هذا السلوك يُعد جريمة دولية كبرى، وإن سُكوت العالم عنها قد يُفهم كضوء أخضر لاستهداف كل من يمتلك طاقة نووية، بما يشكل تهديدًا وجوديًا للبشرية جمعاء. فالخطر لا يكمن فقط في الضربة، بل في المنطق الذي يشرّعها.

ويتحدث  المفكر العربي خلال مقابلته عن تايوان لا بوصفها جزيرة صغيرة في خاصرة الصين، بل كمركز للعالم القادم، إذ تمثل المصدر الأكبر لإنتاج المعالجات الدقيقة، تلك الشرائح الصغيرة التي تُحرّك كل آلة رقمية في حياتنا، من الهاتف إلى الطائرة، ومن المفاعل إلى المنظومة الدفاعية. ولذلك، فإن من يحكم تايوان يحكم التقنية، ومن يحكم التقنية يملك مفاتيح العالم الحديث. هكذا تتضح الصورة: الصين تعلن أنها ستضم الجزيرة إلى سيادتها بحلول 2027، وأبوغزاله يرى أن ذلك العام سيكون لحظة الحسم، نهاية الحرب، وبداية لنظام عالمي جديد ستنتهي فيه الثنائية القطبية كما نعرفها اليوم.

يختم أبوغزاله رؤيته بمبدأ يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه جوهري في فهم معادلات البقاء والانتصار: المنتصر الحقيقي في أي حرب هو من يصمد أكثر. ليست الحرب في الأهداف الخطابية، بل في القدرة على التحمل والبقاء والثبات. ويعود هنا إلى غزة، ذلك الجرح العربي المفتوح، الذي تحوّل إلى رمز عالمي للصمود، حيث استطاعت رقعة صغيرة محاصرة منذ عقدين، أن تقف في وجه جيش مدجج ومدعوم، بل وأن تربكه، وتغيّر معادلاته.

هكذا تحدث المفكر العربي طلال أبوغزاله، لا كمن يُحلل الأخبار، بل كمن يقرأ التاريخ قبل أن يُكتب، ويشير إلى ملامح عالم يتغيّر، دون أن ينتظر من يشكّ في تغيّره

إحسان القاسم.